إنطلقت كلنا يعرف أن التدخين قاتل ، ولكن ما لا يعرفه الكثير منا أن التدخين قد يؤدي بالمدخن الى الهلاك في وقت أسرع بكثير مما نعتقد أو نتوقع. لقد قام الباحثون في النرويج باجراء دراسة بحثية شملت حوالي ( 50,000 ) خمسين ألف شخص من المدخنين وغير المدخنين على مدى ربع قرن من الزمن ووجدوا أن عدد الأشخاص الذين يموتون في فترة منتصف العمر في أوساط المدخنين أكثر من عدد الذين يموتون في تلك الفترة من غير المدخنين ، الا ان الدراسة أكدت ان نسبة الوفاة تنخفض بشكل كبير عندما يقلع المدخنون عن هذه الآفة القاتلة.
الدكتور رونالد ديفيس – مدير مركز الصحة الوقائية التابع لمستشفى هنري فورد في دترويت بولاية ميشيجان الأميركية – قال بأن نتائج هذه الدراسة جاءت لتدعم الفكرة القائلة "لا يمكن القول بأن الأوان قد فات على ترك التدخين". صحيح أنه الفائدة تكون كبيرة عندما يقلع المدخن عن هذه العادة في سن مبكرة الا أن الاقلاع عنها في أية مرحلة عمرية له فوائده أيضا.
وتعتبر هذه الدراسة البحثية الأضخم والأطول في مجال التدخين والمضار المترتبة عليه لدى المدخنين من الجنسين وقد تم نشر نتائجها في العدد الحالي من دورية الطب الباطني (Annals of Internal Medicine)
وقد قام الباحثون خلال الدراسة المذكورة بجمع البيانات حول الأشخاص الخمسين ألفاً المشاركين في الدراسة في الفترة مابين عام 1974 و عام 2000 وتبين لهم بأن 41 % من الرجال الذين توافيهم المنيّة في فترة منتصف العمر (40 – 70 عاما ) هم من المدخنين الذين يدخنون 20 سيجارة فأكثر يوميا ، في حين كانت نسبة المتوفين في نفس الفترة من غير المدخنين 14% وبمقارنة نسب الوفيات في فترة منتصف العمر بين المدخنات وغير المدخنات من النساء فكانت نسبة الوفاة بين المدخنات 26% في حين كانت النسبة 9% بين غير المدخنات .
الجيد في الأمر هو ان خطر الوفاة يقل بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين في فترة منتصف العمر، وتكمن أهمية هذه الدراسة في انها تناولت مشكلة التدخين وما يترتب عليها من مضار في فترة منتصف العمر. وقال الدكتور جون بانزاف رئيس منظمة مكافحة التدخين في نيويورك ان الكثير من الناس يتصورون ان خطر الوفاة الناجم عن التدخين انما يتمثل في الوفاة في مرحلة الشيخوخة ، ولكن نتائج هذه الدراسة جاءت لتؤكد أن نسبة الوفيات الناجمة عن التدخين في مرحلة منتصف العمر عالية جدا خصوصا لدى أولئك الذين يدخنون 20 سيجارة فما فوق يوميا.
وتتوافق وجهات النظر لدى كل من الدكتور ديفيس والدكتور بانزاف من حيث الفوائد الصحية للاقلاع عن التدخين حتى بعد حدوث الضرر الجسدي الناجم عن التدخين. ويقول الدكتور ديفيس أن الاقلاع عن التدخين يعود بالفائدة على المدخن حتى بعد الاصابة بالمرض أو حتى بالسرطان من منطلق ان الاقلاع عن التدخين يحد من انتشار السرطان في الجسم ، وبالنسبة للمدخن الذي يصاب بنوبة قلبية فان الاقلاع عن التدخين يقلل من فرصة الاصابة بنوبة قلبية ثانية ، فضلا عن أن الاستمرار في التدخين يحول دون ممارسة المدخن للكثير من النشاطات النافعة.
ويلخص الدكتور ديفيس موقفه العلمي من هذه القضية قائلا : ان لدى المدخنين ممن هم في مرحلة منتصف العمر ولم يتعرضوا لأمراض مرتبطة بالتدخين اعتقاد خاطىء مفاده أنه طالما اننا قد نجونا من هذه الأمراض حتى هذه المرحلة فاننا لن نكون عرضة لأي من مخاطر التدخين وبأن الضرر الذي يخشى حدوثه قد حدث، وهذا مفهوم خاطىء مبني على أوهام ولا بد من تغييره .