التشابه و التطابق . و لأن خوفه كان يكبر في كل مرة من أن يؤدي بهم ذلك إلى التعود على تنميط الأحكام و بالتالي تبني التمييز و تبريره دون وعي بمخاطره ، و ذلك كأن يصلوا في نظرتهم للناس إلى القول ، مثلا ، إن هؤلاء الأشخاص المختلفون عن أولئك هم متشابهون في ما بينهم و يحملون نفس العيوب أو هم أقل قيمة من غيرهم ، أو كأن يرددوا إنه من الأفضل ألا تكون هناك اختلافات بين البشر ، و يذهبوا إلى حد قبول منع الأفكار المغايرة أو عدم السماح بالاختلاط بين الأفراد الذين لا يحملون نفس الميزات الفردية ،،،،
فكر مليا في الأمر و استحضر كل المعوقات التي يضعها النظام التربوي التعليمي أمام اجتهاداته ، لكنه هز كتفيه غير مبال و قرر أن يفعل شيئا جيدا و إن لم يعجب السيد المفتش أو تعارض صراحة مع ما تمليه عليه المذكرات و التعليمات الرسمية .
رتب لوازمه . و خلال الحصة الموالية قال برقة : أعيدوا كتبكم و كراساتكم المدرسية إلى المحافظ . اليوم سنعمل من أجل فهم مشترك للمساواة . ثم وزع على كل من تلامذته ورقة تحمل إطارا تخطيطيا لصورة شخص . و طلب من كل واحد أن يرسم عليه نفسه . تضاحك الأطفال . أخرجوا أقلامهم الملونة و شرعوا في العمل . مثلهم فعل المعلم .
تساءلت بنت و هي تخبئ ابتسامة رقراقة خلف كم وزرتها : من يذكرني بشكل أذناي ؟ و أسر طفل لجاره : و الله لن أفعل فهذا حرام . و استعار آخر مرآة و راح يتطلع إلى وجهه ثم واصل الرسم . و قالت أخرى لقرينتها الجالسة أمامها : التفتي نحوي لأنظر فيك قليلا ، فقاطعها طفل من الخلف معلقا : لا داعي لذلك فهي أجمل منك . و وقفت طفلة قبالة مجموعة القسم و هتفت : أعطوني قلما أبيض فأنا أنصع من لون هذه الورقة ، و ،،،
بعد عشر دقائق ، قام المعلم من مكتبه . رفع رسم صورته إلى مستوى صدره . حدق فيه التلامذة لبرهة ثم ضجوا ضحكا . قال : الآن ، رجاء أن يفعل كل واحد منكم هكذا مثلي ، و أن يقدم نفسه إلينا . و حبذا لو يحدثنا أيضا عن هوايته و عما يحب و ما يكره و كذا عن آماله . ثم أردف : أما أنا فاسمي احماد ندير . ولدت في زاﮔورة . عمري ثمانية و أربعون سنة . مجاز في الشريعة الإسلامية . تخرجت من كلية فاس . أسكن حاليا هنا في المحمدية . متزوج بدون أولاد . أمارس رياضة الشطرنج ، لكنني غير متفوق فيها . أنتمي لحزب يتغيى الخير للوطن . أحب كل ما هو جميل و وديع و شاعري . أكره النفاق و الفقر و الاستبداد و العنف . آمل في أن تتحسن وضعيتي المالية لأتشجع على إنجاب أطفال و لأنعم رفقة أسرتي بقليل من رغد العيش .
كف المعلم . و على منواله أخذ التلامذة الواحد تلو الآخر يقدمون أنفسهم . قالت أولى المتحدثات : صورتي جميلة أليس كذلك ؟ أنا سعيدة توأم شقيقتي مسعودة ، لكني أكبرها بثلاثين دقيقة ، لن أخبركم بسني الحقيقي فيكفيكم أن تعلموا أني من مواليد شهر فبراير ، أحب الورد و الغسق و أكره الظلام و الشوك . و بعد العاشر قال الذي يليه : أنا أحمد يتيم الأبوين ، يسمونني في " الإصلاحية " الحدث الجانح رقم 8 و ذلك رغم أني لم يسبق لي أن سرقت أكثر من قطعة رغيف و شكولاتة ، آمل في أن أصبح ربان طائرة . و بعد أن رفض التاسع و الثلاثون التحدث ، بسملت الأخيرة و تابعت قائلة : لا تستغربوا إن رسمت نفسي عارية الرأس و متوردة الوجنتين فالحجاب الذي تعودتم دائما على رؤيتي به هو مجرد منديل لستر فقر أسرتي . إني أحب الله و النبي محمد ( ص ) و كل رجائي أن أتمكن ذات يوم من إنقاذ إخوتي من حياة الشقاء ،،،،
أشار المعلم إلى جدران قاعة الدرس قائلا : تعالوا نعلق صورنا الجميلة . علق الجميع إلا واحد صورهم . علقت طفلة : رغم أن الألوان و الإطارات التخطيطية كانت واحدة فلا أحد منا جاء شبيها للآخر . و في الطريق إلى المقاعد أخبر المعلم التلامذة بأنهم سينتقلون إلى الاشتغال وفق الخطوتين التاليتين : في الخطوة الأولى ، سيتوزعون إلى مجموعات صغيرة العدد ، حيث سيكون مطلوب من كل مجموعة أن تعين من بين أفرادها مسيرا (ة) للجلسة و مقررا (ة) للأشغال و ضابطا (ة) للوقت و حريصا (ة) على الأهداف ، و أن تناقش في ذلك جملة الأفكار التي تم إدراكها حول المساواة ، و ذلك من خلال ما أوحت به مقارنة الصور المرسومة مع بعضها و قادت إليه المعلومات التي أدلى بها كل واحد عن نفسه ، و أن يحرر المقررون النتائج التي تم التوصل إليها . و في الخطوة الثانية ، سيختلي المقررون ببعضهم من أجل أن يعيدوا ترتيب الأفكار التي تضمنتها تقارير المجموعات و يصنفوا أهم خلاصاتها ثم يركبوها ليعرضوها أمام الجميع إثر انتهاء الوقت المحدد .
أثناء الاشتغال ، كان النقاش يحتد في كل مكان ، لكن لا أحد أهان زميله أو ضربه . و كان المكلفون بمهام يسعون ، كل في إطار مسؤوليته ، إلى تلطيف الأجواء ، أو يذكرون بجدول الأعمال ، أو يطالبون باحترام نوبات الكلام ، أو يستعجلون بعضهم في الإدلاء بالرأي ، أو ،،، و كان هناك غاضبون . تأفف أكثر من طفل و توجه أحدهم إلى المعلم محتجا : إن عددنا في القسم كثير جدا و المقاعد غير مريحة بتاتا . فرد آخر : و هل تعتقد أن الأستاذ هو المسؤول عن ذلك ؟ و بين الفينة و الأخرى ظلت طفلة تردد : أوه ، أوه ، خفضوا أصواتكم من فضلكم فأنا لا أستطيع أن أركز تفكيري .
كانت عشرون دقيقة قد مرت حين أعلن المقررون بنبرات منتشية : أنهينا العمل ، النتائج جاهزة يا أستاذ . ثم تقدموا إلى المنصة و راحوا يتلون ما دونوه كما لو كانوا ينشدون :
نحن متساوون ....
لنا كلنا بعض الأشياء المشتركة .
كلنا نحتاج إلى الهواء و الماء و الغذاء .
كلنا نولد ننمو و نقيم علاقات مع آخرين .
هناك أشياء تفرحنا أو تعجبنا . و هناك أشياء تخيفنا أو تفزعنا .
كلنا نحتفظ بذكريات عن فترات جميلة و بذكريات نود نسيانها .
جميعنا نحتاج إلى أصدقاء و نبحث عنهم .
كلنا آمال و أحلام .
..... و لكننا مختلفون .
كل شخص هو فريد . لا يوجد في العالم شخصان متطابقان في التشابه .
لكل شخص بدن و تاريخ .
لكل واحد اسم و وجه .
الذي ينال إعجاب البعض يبدو كريها أو مملا بالنسبة للبعض الآخر .
واحد يعجبه الاستلقاء فوق العشب و التملي في الطيور ، و الآخر يفضل الاستماع في بيته إلى الموسيقى بصوت صاخب .
هذا يقرأ بحماس و حميمية ، و الآخر يفضل لعب الكرة .
هناك العديد من أشكال مختلفة للحياة .
كل شخص هو فريد ، لا يوجد في العالم شخصان متطابقان في التشابه .
الأشخاص يكونون تكامل و وحدة مجموعات أو جماعات لها عاداتها الخاصة . أسرنا ، الأصدقاء الذين نختارهم أو رفاق المدرسة أو زملاء آبائنا في العمل ، هم من المجموعات التي قد نعرفها جميعا . في المقابل لا نعرف كل الأشخاص الحاملين لنفس جنسيتنا أو لنفس اعتقاداتنا . كذلك ، هناك أشخاص لنا معهم نفس الخاصيات المشتركة و لو أننا لا ننتسب معا لنفس المجموعة .
براﭭو ، براڤو . لم ننه الموضوع بعد ، في الحصة المقبلة سنواصل . أنا سعيد جدا بكم ..... قالها المعلم بعجالة و هو يجمع أشياءه و يغادر قاعة الدرس . في الباب كان معلم