{{{{الضباب}}}}
الضباب كالثلج الناصع و هطل الديم,ساحر يغير هيئة العالم ويمحو كل شيئ سواك
1- إنه ليل جميل حقاً دلك الليل الدي يفرضه علينا الضباب أحيانا حتى في رابعة النهار.ليل أبيض الحناس,هفاف الجلابيب,نديُ الملامس.إلا انه ساحر ماكر,فهو بمسحة كف يمحو معالو الأرضوالسماء وجميع ما تنطوي عليه من بديع الأشكال و الألوان. فكأنما الأرض غير الأرض و السماء غير السماؤبل كأنما لا أرض هناك ولا سماء.لقد تبدلت الألآشياء وانصهرت ثم تبخرت.فالضباب هو الكل في الكل.لا ألوان غير لونه ولا أشكال غير شكله .وياليت كان له لون يعرف وياليت كان له شكل يوصف.
2-على أن الضباب رغم مقتنا اياه لا يخلو من فتنة بالغة ووحي جميل .فأنا قلما عرفت مشهدا يفوق بروعته سماءاً مجلدةً وجبالا حالمة ومروجا ضاحكة تم بحرا في غلالة من نور يتنفس هانئ
فتنعقد انفاسه سُحبا لؤلؤية من فوقه لا تلبث أن تندفع نحو الشاطئ كأنها الجيش المدرب أتم تدريبه وقد جاءه الأمر بالهجوم,ويمضي دلك الجيشفي اندفاعه الى الأمام لا تصده غابة ولا يعوقه نهرولا يثنيهو واد تمتنع عليه قمة.وما هي إلا دقائق حتى يصبح السيد المطلق في الميدان وقد حجب السماء و الأرض.فما من شيئ يبصر إلاه.والغريب في أمره أنه أعزل من كل سلاح ,و صلابته أنه ألين من كل شيئ في الكون,و قوته في امتثاله الأعمى للإدارة التي تقوده.
3-أدركني الضباب مرة على رأس جبل كسته أحراج كثيفة من الشوح و الأرز .فوقفت كالمسحور أرقب طلائعه المسرعة نحوي من كل صوب .لقد كانت تتمزق كلما ارتطمت بالأشجارفلا تلبث ان تلتئم بلمحة الطرف لتتابع زحفها الجارف الى الأمام وإدا بالأشجار تغيب عن أبصاري واحدة تلو الأخرى و جماعة بعد جماعة . وإدا بالضباب يكتنفني من كل جانب كأنني الانسان الأوحد في الكون.ولو لبا رقعة ضيقة من التراب ما برحت ابصرها واحسسها تحت أقدامي, ولو لا فسحة باعين او ثلاثة من الهواء بقيت أميز من خلالها بعض الأغصان لحسبتني لا تربطني برابطة بالأرض ولا بالسماء.
3- إنه لشعور غريب و رهيب في آن داك الشعور بأنك "ما بين طرفة عين و انتباهتها"قد انسلخت عن دنياك ولم يبق لديك منها غير دكريات محفوظة في تلافيف الدماغ.......لقد انطمس الكل في رشاش أغبر مستطير ولم يبقى غيرك.
مخائيل نعيمة:صوت العالم